بقلم: المهندس
مدحت الخطيب
صدق المثل
الشعبي القائل (ناس بهناها وناس بعزاها) فبعد أسبوع على الكارثة أصبحت المأساة
تتضح رويدا رويدا وتكبر وتشتد المعاناة في مدينة درنة الليبية بعد الإعصار المدمر
الذي ضرب المدينة وخلف عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والمفقودين والمشردين.
بعيدا عن
شاشات التلفاز والمؤتمرات الصحفية والدعم اللفظي المخادع، أصبحنا كعرب حتى في
كوارثنا كمثل حمزة رضي الله عنه لا بواكي لنا في عالم اليوم الذي تحكمه المصالح
والنفوذ والقوة والتحالفات.
وأقولها بحرقة
الدم العربي الذي يحركنا ولكن للأسف لا يوحدنا ويجعلنا قوة لها تأثير كباقي الأمم،
إن جُرِحَ أصبع صغير لاصحاب العالم القوي المتماسك المتحد هنا أو هناك انبرت كل
دول العالم لتدين وتندد وترغي وتزبد خوفا ورفقا بهذا الإصبع المسكين، وتصدر عشرات
التصريحات وتجيش الطواقم الطبية والإنسانية لخدمة هذا الإصبع المسكين والسهر على
راحته وحمايته حتى يعود قويا سليما كما كان...
اليوم وبرغم
الدمار والدموع والكارثة التي حلت على الأشقاء في ليبيا، وهذه الفاجعة التي أبكتنا
جميعا من المحيط إلى الخليج، حتى اضطرب البحر واهتزّ بكل ما فيه وألقى بجثث
العشرات إلى الشاطئ حزنا عليهم لا تقصيرا، ووفاء منه فهو لا يقبل أن يشارك في
دفنهم بالسر وفي جنح الظلام..
ما زال
الفرقاء ومن يدعون أنهم رجال السياسة وصناع القرار يتبادلون الأدوار ويتصدرون
المشهد إعلاميا فقط، ما زال صناع القرار يتبادلون الاتهامات ويرمون الكرة خارج
مرماهم المهتز أصلا منذ سنوات، وأهل درنة لا بواكي لهم رغم حجم التحديات
والمصاب...
ما أحزنني
أكثر وأنا أتابع أحد المختصين من الإخوة المهندسين هناك وهو يتحدث عن الوضع
الهندسي للسدين وكلامه بحرقة عن وضعهما الفني المتهلهل المتهالك منذ عام 2010 وأن الصيانة قد توقفت
منذ ذلك الوقت رغم التحذيرات التي أطلقها هو وزملاؤه هناك، والوعود التي تلقاها من
صناع القرار وأن أموالاً كثيرة رصدت لأجل ذلك ولم يصل منها أي شيء فكان لانهيار
السدين الحجم الأكبر في الفاجعة وحدوث الدمار...
قدر الله
نافذاً لا محالة، ولكننا أُمرنا بالأخذ بالأسباب والاستعداد لها وما كان حجم
الدمار والقتل ليكون بهذا الحجم والكم لولا ضعف الاستعداد والانقسام ولا يغيب عن
أحد صراع الأضداد الذي يشعل الوضع في ليبيا إلى يومنا هذا ..
لا ننكر أن
ارتباك السياسيين وانقسامهم قد ساهما حتى في إبطاء وتيرة تقديم المساعدات إلى
ليبيا فور وقوع الكارثة، فرئيس الحكومة المنتهية ولايتها «في طرابلس» عبدالحميد
الدبيبة سارع إلى الإعلان عن قدرة ليبيا على مواجهة الكارثة بجهودها الخاصة، ولكن
سرعان ما اتضح أن هذا غير صحيح. وبعد ذلك صحح الدكتور محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي
الليبي الموقف بإعلانه «درنة منكوبة وتحتاج إلى المساعدات العاجلة من دول العالم ولكن
المساعدات ما زالت أقل بكثير من حجم المعاناة التي حلت بهم...
يوم أمس تجمع
المئات من أهالي مدينة درنة المنكوبة، أمام مسجد الصحابة وسط المدينة، في مظاهرة
حاشدة نادت بإسقاط مجلس النواب، في الوقت الذي كان الأخير يعقد جلسة في مدينة
بنغازي.
وطالب مئات
المتظاهرين بإسقاط مجلس النواب وتوحيد ليبيا، وهتفوا: «دم الشهداء ما يمشي هباء،
وخرجت أصوات تنادي بضرورة توحدهم وتناسي خلافات الماضي.
وتوجه
المتظاهرون بمطالبهم إلى الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، وكافة المنظمات
الدولية، إضافة إلى المجلس الرئاسي، والمجلس الأعلى للدولة، ومجلس النواب،
والحكومتين في شرقي وغربي البلاد، ومنها مطلب إسراع النائب العام بإعلان نتائج
التحقيق في الكارثة التي حلت بالمدينة، واتخاذ «الإجراءات القانونية والقضائية
كافة ضد كل من له يد في إهمال أو سرقات أدت إلى هذه الكارثة دون التستر على أي
مجرم كائناً من كان، فليس هناك من هو أعز من أهلنا الذين فقدناهم هناك.
في الختام
أقول المصاب جلل والحزن عميق، حمى الله ليبيا وسائر بلاد العرب من الفتن وكان الله
مع إخواننا الليبيين والمغربيين في محنتهم ورحم الله موتاهم وشفى جرحاهم انه
سميع مجيب الدعاء.