القسم : بوابة الحقيقة
انهيار وتلاشي الشركات والمؤسسات
نشر بتاريخ : 2/27/2022 5:04:08 PM
صايل الخليفات

    قد يتبادر للأذهان أن المقال يناقش أوضاعا سياسية أو الاقتصاد السياسي، والحقيقة لا علاقة له بذلك، إذ سيناقش السياسات الإدارية والاقتصادية التي تسببت في انهيار وتلاشي وإفلاس بعض الشركات والمؤسسات، وفشل وتردي خدمات أخرى من المؤسسات الرسمية والخاصة.

    من يتابع الساحة، ويتتبع أخبار الشركات والمؤسسات على اختلاف تبعياتها وتنوع خدماتها، يسمع بين الحين والآخر عن تصفية شركات أو مؤسسات، أو تراجع تصنيف أخرى، أو تعرض بعضها لمشاكل مالية وقانونية، وشكاوى عن الخدمة أو المنتج.

   وعندما تسأل عن الأسباب، وتناقش أصحاب العلاقة أو المقربين منهم أو بعض المحللين عن بعد وعلى الفور، يفتح لك سجل التعقيدات الحكومية والسياسات الرسمية – كما يزعمون – في إفقار الشركات والمؤسسات ودفعها نحو الإفلاس، أو تصفية أعمالها وإغلاق مكاتبها وإيقاف خدماتها!

  ولا يملك أحد أن ينكر أن لدينا ضعفا وأخطاء فيما يخص جانب التشريعات الاستثمارية والضريبية، وأن له من الأهمية ما يجعله على طاولة البحث في كل حين أمام الحكومات الراغبة في إحداث إصلاحات حقيقية وإنقاذ السوق مما يتعثر به.

   كما لا ننكر وجود بعض أذرعة الفساد وانتشارها في مختلف مفاصل الدولة، ودورها في تعطيل فرص الاستثمار أو تفويتها لقاء منافع شخصية، في ظل غياب الضمير الحي، وانتفاء الوطنية الصادقة.

   لكن أمام هذا كله، إذا حدثتمونا عن الشركات والمؤسسات المتعثرة والمفلسة والتي تراجعت مستوياتها أو أغلقت مكاتبها، أو أوقفت خدماتها، نحن نحدثكم عن الشركات الناجحة التي تضاعفت أرباحها، وارتقت خدماتها، وزاد انتشارها على الرغم من مرورها بنفس الظروف التي مر بها الآخرون، سواء أكانت ظروفا محلية رسمية أو عالمية كالعولمة والمنافسات العالمية القوية.

   كيف استطاعت هذا الشركات الصمود والمنافسة؟ بل كيف استطاعت تحويل التحديات إلى نجاحات وانطلاقات جديدة في عالم المنافسة؟

   أعتقد أن الأسباب تكمن في السياسات الإدارية والاستثمارية، والرؤى بعيدة المدى للأهداف والطموحات ،وغياب التخطيط الواقعي والإبداعي لدى تلك المؤسسات.

   فهناك عدد كبير من هذه القطاعات التي فشلت في الصمود أمام المتغيرات المحلية والعالمية كانت تتمتع بدائرة مغلقة من التفكير الإداري والتخطيط الاستراتيجي الاستثماري، فلم تستطع رؤية ما يدور حولها بوضوح، كما لم تستطع تطوير ذاتها وأدواتها في ظل التفكير المنغلق، أو أن تتنبأ لمصيرها في ظل الثورة العلمية والتكنلوجية العالمية.

   وكذلك بعض هذه القطاعات لم تكن محظوظة بقيادات وإدارات جريئة قادرة على المغامرة في اتخاذ القرارات المالية والاستثمارية على الرغم من تواجد الفرص أمامها، ويدعوهم إلى ذلك النظرة الدائمة إلى نصف الكأس الفارغ، والخوف من التوقعات السلبية في جميع الاتجاهات، ومحاولة الهروب من تحمل أي مسؤولية ناتجة عن القرارات التي يمكن اتخاذها..

   فمثلا، إرهاصات التعليم الإلكتروني ظهرت على خريطة الواقع منذ انتشار شبكة الانترنت، وهناك عدد من الجامعات والمؤسسات التعليمة العالمية تنبهت لهذا المجال منذ أكثر من عقدين، وبدأت بإعداد نفسها وتجهيز أدواتها وبناء معارفها للاستفادة منه، وقطعت في ذلك أشواطا بعيدة، وهي الآن تتربع على عرش ما يسمى بالتعلم والتعليم الإلكتروني أو التعليم عن بعد بين المؤسسات التعليمة العالمية.

   في المقابل باقي المؤسسات التعليمية الرسمية والخاصة في مختلف دول العالم وخاصة أكثر الدول العربية ظلت تتلكأ في خطواتها نحو هذا الجانب، ولم تعره اهتماما حقيقا لضعف الرؤى العميقة لديها في تخطيط، وإدراك الآتي، وقصور اهتماماتها على جونب معينة محددة فيه أغلبها شكلية، حتى أجبرتها جائحة كورونا على دخول هذا المجال رغما عنها، فانكشفت عوراتها، وبانت سوءاتها أمام حاجة العالم الواقعية اليوم لاستمرار عجلة التعليم في الدوران وعدم توقفها بأي حال.

   وتمثل قصور رؤى هذه المؤسسات عن إدراك واقع التعليم الجديد، وما يلزمه من إعدادات: البنية التحتية وتجهيزاتها، والنواحي الفنية والمهاراتية في التعامل مع الظرف والأفق الاستثمارية الجديدة. وتمثل ذلك كله في ضعف تغطية الشبكات، وتعطلات البث، والبطء الشديد في تحميل والتنزيل، والأخطاء المهاراتية في ضعف جاهزية الكوادر الإدارية والتعليمة في التعامل مع هذا التكنولوجيا أو ما يسمى بتكنولوجيا التعليم، أو التعليم الرقمي، حتى أن بعض المعلمين ما زال لا يستطيع عمل حساب شخصي على شبكة الانترنت، ولا يجيد الدخول للمواقع التعليمي، فضلا عن استخدام البرامج والتطبيقات التي لمعت في هذا الجانب.

   وقس على ذلك معظم الشركات والمؤسسات الرسمية والخاصة التي تقدم خدمات مختلفة يهتم بها الناس ويدفعون من أجلها الأموال بما في ذلك البنوك، إذا أن هناك تفاوتا فيما حققته من نجاحات مالية واستثمارية خلال العقدين الماضيين، أو تراجعا في مستوى الأرباح والخدمات المقدمة، وذلك نتاج فرض سياسة التقشف وربط الأحزمة بدلا من سياسة التوسع، وفتح نوافذ أخرى من الخدمات، واستحداث أبواب جديدة للاستثمار.

   وكلنا يدرك أن لاستثمارات العالمية في أغلبها منصبة اليوم على العقل البشري، ونتيجة لشح هذا المورد تحاول بعض الشركات المطوّرة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي؛ لإيجاد حلول للمشكلات التي تواجه العالم في جميع المجالات.

    لذا؛ حري بهذه المؤسسات والشركات خاصة كانت أم رسمية أن تبادر إلى تقييم سياساتها الإدارية والمالية والاستثمارية، وتجد لنفسها موضع قدم في كل غدٍ آتٍ، ولا بد من المراجعة المستمرة والتحديث الفوري، والحضور الرقابي الدائم على خارطة العالم وما يحدث فيها وعليها من تغيرات، لتتمكن من ترحيل وتكييف ذاتها حسب ما تقتضيه السوق.

     وعلى طلاب النجاح والتميز والاستمرار، الالتفات إلى جانب الاستثمار في العقل البشري؛ لأنه إكسير النجاح والتطوير والإبداع والوجود، وليبحثوا في عقول الناس عن مناجم الاستثمار الحقيقية، فرب فكرة ضائعة تائهة، تفوق قيمتها أغلب التوقعات منها.

   وجميل أن تؤسس الشركات التي ترغب في تحقيق النجاح والتطوير لذاتها ما يسمى بحاضنة الأفكار، تستقبل بها أفكار العاملين والمتعاملين من داخلها ومن خارجها، وتضع لذلك إطارا للاستقطاب والبحث والتجريب والتطوير.

    فمن خلال التجوال والمخالطة والنظر الرأسي لكثير من القطاعات العاملة في مختلف المجالات، رأينا الكثير من الفرص الضائعة والأبواب المغلقة، والأفكار المهملة التي فيها ما فيها من التطوير والإبداع وتحقيق النجاحات إذا ما التُفت إليها واستُثمرت استثمارا حقيقيا.

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023