نشر بتاريخ :
31/07/2025
توقيت عمان - القدس
8:38:29 AM
في
وقت سابق من يوليو الجاري، أطلقت المفوضية الأوروبية طلقة البداية لمفاوضات
ماراثونية ستستمر 30 شهراً حول ميزانية الاتحاد الأوروبي للسنوات السبع المقبلة.
واقترحت بروكسل تخصيص نحو تريليوني يورو للإنفاق المشترك، مشيرة إلى أن هذه
الميزانية تستهدف «التحديات الجديدة والناشئة» التي تواجه أوروبا. فهل هي حقاً كذلك؟
لنبدأ
بالجوانب الجيدة، فقد اتخذت بروكسل بعض الخطوات نحو إعادة تخصيص الأموال لتلبية
أولويات الحاضر: البنية التحتية، الدفاع، الأمن، البحث العلمي، ومرونة الطاقة
والصناعة. والأرقام الدقيقة لهذه المخصصات هي بالفعل موضع خلاف، حتى داخل المفوضية
نفسها.
لكن
الأهم هو غياب الجدل حول تغير منهجية وضع الميزانية.
وقامت
المفوضية بدمج الإعانات الزراعية والتحويلات المالية للمناطق الأفقر في خطط وطنية
جديدة، حيث ستقترحها الحكومات المحلية وتوافق عليها المفوضية الأوروبية، ويتم
التحقق من تنفيذها للحصول على التمويل. ويمثل هذا تحولاً كبيراً، على غرار صندوق
التعافي بعد الجائحة.
ورغم
وجود تذمر من عدم كفاية التمويل، وسعي الحكومات الوطنية للاستيلاء على السلطة من
المسؤولين المحليين، إلا أنه لا يوجد اعتراض على المبدأ الأساسي وهو الحصول على
التمويل مقابل إصلاحات قابلة للإثبات ومتفق عليها بشكل متبادل.
وتعد
هذه ثورة هادئة على الممارسات السابقة بإرسال الشيكات للمزارعين والحكومات
المحلية؛ ورغم أن ذلك كان أبرز ما في مسودة الميزانية إلا أنه كان الأقل إثارة
للتعليق.
وهناك
تغيير آخر قوبل على ما يبدو دون اعتراض هو تبسيط وتنظيم الميزانية إلى عدد أقل من
مسارات التمويل. وهذا التبسيط من شأنه تسريع عملية الصرف وتسهيل التخطيط والتنسيق.
وإذا
ما انتقلنا إلى الجوانب السيئة، فقد أعادت المفوضية ترتيب أولويات الميزانية بناءً
على المشهد الجيوسياسي المتغير.
وتكشف
أولوياتها الجديدة أنها استمعت للتحذيرات الواردة في تقريري إنريكو ليتا وماريو
دراجي.
لكنها
أهدرت فرصة دمج سياسة الميزانية بشكل أوثق مع الدعوات الاستراتيجية بتوحيد السوق
الأوروبية وتعزيز الإنتاجية.
ومثال
على هذه الفكرة غير الموفقة فرض ضرائب مقطوعة على الشركات العاملة في الاتحاد
الأوروبي ذات الأرباح الكبيرة.
إن
بروكسل محقة في سعيها إلى إيجاد مصادر جديدة للإيرادات، لكن أي ضريبة على الشركات
يجب أن يتم تصميمها ضمن قانون موحد مخطط له على مستوى الاتحاد الأوروبي.
وسيكون
تحصيل الضريبة من الشركات التي اختارت الامتثال لهذا النظام أفضل من فرض ضرائب
جديدة، علاوة على تلك المفروضة بالفعل.
وقد
فشلت الميزانية أيضاً في معالجة الحاجة لمزيد من تمويل شراء أسهم الشركات في
القطاعات الاستراتيجية الرئيسية، وهو ما ورد بشكل مقنع في تقرير لمركز السياسة
الأوروبية، الذي اقترح أداة خارج الميزانية تشبه صندوق ثروة سيادي للاتحاد
الأوروبي ليقوم باستثمارات رأسمالية في الكتلة.
وجه
الضعف الثالث يتمثل في غياب انتباه المفوضية إلى توفير أوراق مالية قياسية وآمنة
على مستوى الاتحاد الأوروبي للمستثمرين، إذ لا تحتوي مسودة الموازنة على أي شيء
يعزز ذلك.
وتعد
مسألة طرح مزيد من الديون المشتركة شائكة سياسياً، ولا حاجة لجمعها لتوفير إعانات
للدول الأعضاء الأكثر فقراً، فالمبرر الأقوى هو تمويل صندوق ثروة سيادي للاتحاد
الأوروبي.
وأخيراً،
وبالحديث عن الجانب القبيح، فقد ارتكبت بروكسل خطأً إحصائياً باستخدام بيانات اسمية،
تعكس أساساً التضخم، لادعاء وجود زيادة كبيرة في الموازنة، لكن المقياس الأفضل هو
حصة الدخل الوطني الإجمالي الذي تخصصه الموازنة للأولويات المشتركة.
وقد
بلغت الميزانية الأخيرة ما يزيد قليلاً على 1% من الدخل القومي الإجمالي للاتحاد
الأوروبي.
ومع
إضافة الصندوق الخاص الممول بالديون بعد الجائحة، بلغ الإجمالي 1.7%. أما مسودة
الميزانية الجديدة فتبلغ 1.26% من الدخل القومي الإجمالي، ولكن بعد خصم الأموال
اللازمة لسداد الديون المشتركة، فإنها لا تتجاوز 1.15%، وهو مبلغ سيتعرض لمزيد من
التخفيض في المحادثات.
لكن
تقديم مقترح بخفض الإنفاق بمقدار الثلث من حصة ضئيلة بالفعل من الموارد يجعل
الحديث عن الجوانب الاستراتيجية مثاراً للسخرية.
لذلك،
فإن هذه ليست إلا موازنة لضمان استمرار التهميش الجيوسياسي.
وكما
جادل الفيلسوفان الأمريكيان رالف والدو إيمرسون وعمر ليتل، إذا «أردت الوصول إلى
الملك، فينبغي لك ألا تخطئ»، إذ لو أراد الاتحاد الأوروبي أن يرتقي بمكانته في
الشؤون العالمية، فعليه أن يمنح نفسه الموارد اللازمة لذلك.
وسيكون
الحصول على المزيد الآن أصعب بكثير بعد هذه البداية الضعيفة.
ومن
المرجح أن يكون النجاح حليفاً للأفكار غير الواردة في الموازنة، كمقترح مركز
السياسة الأوروبية بشأن الاقتراض المشترك لتأسيس صندوق للثروة السيادية وإرجاء
سداد الديون القائمة لتوفير الأموال.
عموماً،
يتفق زعماء كل من الاتحاد الأوروبي والحكومات الوطنية على أنهم يواجهون مخاطر غير
مسبوقة وربما تكون وجودية، لذلك، يجب عليهم الاعتراف بأنه لا يمكنهم مواجهة هذه
المخاطر بمثل هذه التكلفة الزهيدة.
وكالات