عندما لا يكون القبض على قادة التنظيمات الإرهابية ممكنًا أو
يشكّل خطرًا كبيرًا، يصبح اللجوء إلى عمليات الاستهداف الموجَّه لقتلهم خيارًا
مطروحًا- أوباما.
عادت إلى الواجهة بعد العملية التي نفّذتها الدولة المارقة
في الشقيقة قطر، ما يُعرف في الأدبيات السياسية والأمنية بـ»الاغتيالات الموجَّهة».
على مدى سنوات طويلة، ناقش علماء السياسة والأمن والاجتماع
ما يُسمَّى بـ»قطع رؤوس القادة»، أي اغتيال رؤساء الجماعات التي يصنفها الغرب على
انها إرهابية. ومن أبرز ما تناول هذا الموضوع دراسة بريان برايس التي صدرت عام
2012 بعنوان «استهداف الإرهابيين: كيف تسهم تصفية القادة في مكافحة الإرهاب، بعد
عقد من الحرب على الإرهاب». وقد خلصت إلى أن تصفية القيادات العليا تؤدي إلى إضعاف
التنظيمات، لكنها لا تقضي عليها نهائيًا، وأن فعالية هذه العمليات تتراجع كلما كان
التنظيم أقدم وأكثر رسوخًا. ويرى برايس أن مركزية التنظيم، وغياب خطة خلافة واضحة،
تجعل بعض الجماعات أكثر عرضة للانهيار عند استهداف قيادتها.
أما الدراسة الثانية، التي صدرت في العام نفسه بعنوان «هل
تنجح التصفية؟ تقييم فعالية استهداف القيادة في حملات مكافحة التمرد»، فقد اعتمدت
على قاعدة بيانات واسعة قارنت بين الحملات التي نجحت في تصفية القادة وتلك التي
أخفقت، وخلصت إلى أن حدة الصراع غالبًا ما تخفّ بعد تصفية القيادة.
وفي عام 2013، أصدرت جينا جوردان دراسة مهمة بعنوان «تصفية
القيادة: الاستهداف الاستراتيجي للجماعات الإرهابية». جمعت فيها أكبر قاعدة بيانات
تضمنت أكثر من ألف حادثة اغتيال استهدفت مئة جماعة، واستعانت بنماذج إحصائية
ودراسات حالة شملت تنظيمات مثل حماس والقاعدة و»الطريق المضيء». وقد توصلت إلى أن
تصفية القيادة غالبًا ما تكون غير فعّالة في إضعاف الجماعات أو تدميرها، مشيرةً
إلى أن البنية التنظيمية، والدعم الشعبي، والأيديولوجيا تشكل عناصر رئيسية في صمود
هذه الجماعات. بل إن بعض الاغتيالات تأتي بنتائج عكسية، إذ قد تؤدي إلى زيادة
التجنيد بفعل رمزية «الشهادة» وما تولّده من زخم شعبي وأيديولوجي، خاصة في
المنظمات الإسلامية.
أما الدراسات الأحدث، الصادرة ما بين 2024 و2029، فقد أظهرت
أن اغتيال قادة داعش لم يؤدِّ إلى انهياره، إذ ظلّ متماسكًا بفضل وجود آليات
مؤسسية منظّمة لانتقال القيادة. كما لفتت دراسات أخرى إلى أن استهداف قادة الحركات
الإسلامية غالبًا ما يؤدي إلى زيادة التصعيد، وتعزيز الخطاب الدعائي، ورفع معنويات
الأنصار، بينما تنجح عمليات الاغتيال عادةً في إضعاف التنظيمات ذات الطابع
العلماني أكثر مما تفعل مع الإسلامية.
وتشير دراسات إضافية إلى أن انتشار وسائل التواصل عبر
الإنترنت قلّل من فعالية الاغتيالات، حيث تبقى خطب القادة ووصاياهم حاضرة ومتداولة
حتى بعد موتهم، مما يُبقي أثرهم القيادي قائمًا.
وفي المحصّلة، يتزايد الإدراك في معظم الأبحاث الغربية بأن
تصفية القادة وحدها لا تكفي، بل قد تُسهم أحيانًا في إطالة أمد الصراع بدلًا من
إنهائه. ومن هنا جاءت التوصيات بضرورة أن ترافق هذه العمليات استراتيجيات سياسية
واجتماعية مكمّلة، مثل تقديم بدائل مجتمعية أو فتح مسارات تفاوضية.
لذلك يدرك مجرم الحرب نتن ياهو أن اغتيال قادة حماس لن
يُنهيها؛ ويصرح وزير حربه كاتس من ان احتلال غزة لن يؤدي الى القضاء على الحركة
،فالاحتلال دأب منذ سنوات طويلة على استهداف قادتها، وخلال العامين الأخيرين اغتال
كبارهم، مثل إسماعيل هنية، ويحيى السنوار، ومحمد السنوار، وصلاح العاروري، ومروان
عيسى، وغيرهم، ومع ذلك لا تزال حماس صامدة حتى الآن.
برأيي، فإن نتن ياهو يبحث في عمليته الفاشلة عن أي نصرٍ
يُسوّقه، ويسعى من خلالها إلى تعطيل المفاوضات، وإيصال رسالة مفادها أن الكيان لا
يعترف بالخطوط الحمراء. فمجرد إظهار القوة يُعَدّ في نظره وسيلة للردع، لتغدو دلالة
الضربة أهم من الضربة ذاتها.
وعلى الجانب الآخر، قد يلجأ قادة حماس إلى دول إقليمية كبرى
لن يجرؤ الكيان على استهدافهم فيها، وإن فعل فستكون ردة الفعل قوية. وربما أُغلق
هذا الملف بتعهدٍ أميركي بعدم تكراره، إلا أن النتيجة المباشرة لما جرى كانت تحويل
هؤلاء القادة إلى أبطال ورموز للصمود، وإضعاف صورة الولايات المتحدة بشكل واضح،
سواء في المنطقة أم على مستوى العالم.
لقد عززت هذه العملية شرعية حماس وفتحت مرحلة جديدة في مسار
المنطقة، غير أن الثمن كان باهظًا دفعه الشعب الغزّي المكلوم، إذ واجه الاحتلال
فشل عمليته بمزيد من شراسة الإبادة هناك.