كندا تعتزم الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر 2025 بمشاركة 136 ألف طالب .. انطلاق امتحانات "التوجيهي" بنظامه الجديد وفيات من الاردن وفلسطين اليوم الخميس 31 – 7 -2025 الفيدرالي الأميركي يبقي على أسعار الفائدة دون تغيير ديمقراطيون في "النواب الأمريكي" يطالبون روبيو بإجراء تحقيق حول مؤسسة غزة الإنسانية التلهوني: تسجيل 21 قضية اتجار بالبشر في الأردن خلال النصف الأول "الحديد والعبداللات" : ضرورة إدراج مادة تعليمية حول الجرائم الإلكترونية في المناهج - فيديو "السعودي وعواد " : " التوجيهي" بحاجة لمراجعة - والتعليم لا يمكن اختزاله في إمتحان - فيديو بدء المرحلة الميدانية لمشروع "المرصد الشبابي لرصد أداء البلديات" في إربد وبني عبيد وصول الدفعة الثامنة من أطفال غزة للعلاج في الأردن - صور 60 شهيدا من منتظري المساعدات في قطاع غزة خلال الـ 24 ساعة الماضية المعايطة يفتتح سرية الهجّانة الرابعة في مغفر أم القطين التاريخي بعد إعادة ترميمه وتأهيله الأردن يجلي 112 أردنيا ورعايا دول صديقة من السويداء السورية "الأكاديمية الروسية": الزلزال "كامتشاتكا" الذي ضرب روسيا ودول المحيط الهادي أحد أقوى الزلازل في التاريخ اجتماع وزاري سوري "إسرائيلي" جديد في باكو الخميس حول "الوضع الأمني جنوب سوريا"
القسم : مقالات مختاره
الضربة التي غيّرت كل شيء.. "إسرائيل" تعيد رسم قواعد الصراع
نشر بتاريخ : 6/13/2025 6:33:27 PM
محمد فلاح الزعبي

لم تكن عملية "الأسد الصاعد"، التي أطلقتها "إسرائيل" الجمعة بهجوم مفاجئ على اهداف حيوية إيرانية أدت لمقتل العديد من قيادات الصف الأول والثاني من عسكريين وعلماء مشتغلون مشروع تخصيب اليورانيوم مجرد عملية بل ذات اهداف جيوسياسية بالدرجة الأولى وربما الأخيرة ضمن خطة تغيير الشرق الأوسط.

 

العملية التي شاركت نحو 200 طائرة حربية إسرائيلية وضربت أكثر من 100 هدف بين منشآت نووية وعسكرية ومساكن لقيادات إيرانية، بحسب بيانات رسمية من الجيش الإسرائيلي أدت أهدافها بدقة متناهية وسط ذهول كافة المحللين والمراقبين.

 

وبهذه الهجمة الكبرى شهد الشرق الأوسط أحد أكثر التحولات الاستراتيجية إثارة منذ عقود، وستبقى ارتداداتها حبلى بتداعيات عسكرية وسياسية ستعيد صياغة شكل التوازن الإقليمي.

 

الرد الإيراني، حتى ساعة كتابة هذه السطور، جاء محدودًا نسبيًا، عبر موجات من الطائرات المسيّرة التي اخترقت أجواء الشمال الإسرائيلي ووقعت بعضها في الجليل الأعلى، وأخرى أسقطت في البحر. لكن الترقب يسيطر على المشهد، فطهران أمام لحظة فارقة: إمّا أن تختار الرد المؤجل المدروس عبر وكلائها والذين لم يتبقى منهم سوى الحوثيين، أو تنزلق إلى مواجهة مباشرة غير متكافئة ليبقى السؤال الأهم هل تكون مقدمة لاجبار ايران على قبول العودة الى المفاوضات دون شروط قد يفضي الى اتفاق سلام اشبه باستسلام .

 

في هذا السياق، تبقى الحسابات الإيرانية معقدة. فالضربة كشفت هشاشة منظومات الدفاع الجوي رغم التحديثات الروسية الأخيرة، وأصابت رأس الهرم العسكري والسياسي الإيراني، ما يشكّل ضربة مزدوجة: أمنية وسيكولوجية. وفي المقابل، فإن خيار الرد المباشر محفوف بالمخاطر، ليس فقط على البنية التحتية العسكرية الإيرانية، بل على النظام السياسي نفسه، الذي يعاني من توترات داخلية اقتصادية وشعبية منذ شهور.

 

"إسرائيل"، من جهتها، أثبتت قدرتها على تنفيذ عمليات نوعية عابرة للقارات بدقة عالية، مدعومة بتفوق استخباري على الأرض وفي الجو، الرسالة هنا ليست فقط لإيران، بل لكل خصومها في المنطقة، بدأت بذات الضربات المفاجئة لحزب الله فيما عرف بعضية البيجرات ثم اغتيال نصرالله وبعد صفي الدين وبعدها اجبارها على الخروج من  وسوريا، لتبدا قواعد اشتباك غير تقليدية لصراع كان تقليديا لعقود طولية.

 

الضربة لا تهدف الى  التُخفّيف من التهديد النووي الإيراني على المدى المتوسط، وحسب بل تسعى إلى ضرب القدرة القيادية واللوجستية الإيرانية على التنسيق والتصعيد في الجبهات المحيطة بإسرائيل وربما تشمل الشرق الأدنى كاملا.

 

ويتمثل هذا الإنجاز العسكري في  قدرة اسرائيل على التضليل الكامل حتى ايران لم تتوقع هذا الجهوم الذي كان للمعلومات الاستخبارية التي امتلكتها إسرائيل والتي تمثلت بتحديد الاهداف مسبقا ووصولها لاهدافها من اغتيال علماء وقيادة  الحرس الثوري بدقة والتي جاءت عبر الاختراقات الالكترونية والبشرية.

 

لكن هذا الإنجاز العسكري لا يخلو من تداعيات استراتيجية، فالهجوم أعاد المنطقة إلى أجواء ما قبل 2006، حين كانت الحرب الإقليمية خيارًا مطروحًا يوميًا. اليوم، ومع تزايد احتمال الرد من وكلاء إيران، قد يجد الشرق الأوسط نفسه أمام اشتعال تدريجي، يبدأ بضربات في جنوب لبنان أو غارات في دير الزور، ويتطور إلى تبادل نيران واسع في الخليج أو البحر الأحمر، حيث بات الحوثيون أيضًا طرفًا فاعلًا في الحسابات الإيرانية.

 

ثم هذه الضربة لن تنهي البرنامج النووي الايراني بالكامل ولكن تجبرها على التفاوض والخضوع لاتفاق كامل لان هدفها شل القدرات الهجومية لإيران واستمرار الضربات لإبقائها في حالة تشتت سياسي.

 

وإقليميًا تبدو العواصم العربية في حالة ترقب وارتباك دول الخليج، التي تخشى من امتداد الضربات إلى جبهات قريبة، خصوصًا في حال ردّت إيران بصواريخ بعيدة المدى.

 

 أما مصر والأردن والعراق تتابع التطورات بقلق كبير خوفا من تفكك الوضع الأمني الإقليمي خاصة ان العراق الذي يعج بالمليشيا التابعة لإيران لا يزال عمقا استراتيجيا للاردن .

 

تاثير الهجمة لم يتوقف عند العسكرة والامن بل تعدها الى الاقتصاد العالمي حيث شهدت أسواق الطاقة حالة تقلب حاد، حيث ارتفعت أسعار النفط والغاز بأكثر من 6% خلال ساعات، وسط مخاوف من انقطاع إمدادات أو عمليات استهداف متبادلة للناقلات.

 

الولايات المتحدة، التي يبدو أنها أُبلغت مسبقًا بالعملية، تتبنى موقفًا رماديًا محسوبًا. فهي لا تمانع من تحجيم المشروع النووي الإيراني، لكنها تدرك في الوقت ذاته أن تصعيدًا شاملًا قد يقوض استراتيجيتها في المنطقة، ويجبرها على تدخل عسكري مباشر لطالما سعت لتجنبه. واشنطن اكتفت بتكثيف الوجود البحري في الخليج وتحريك حاملة طائرات باتجاه البحر العربي، في خطوة هدفها ضبط النفس لا التحريض.

 

 قوة إيران لا تكمن فقط في منشآتها النووية ، بل في منشآتها الحيوية المتمثلة في الدور العقائدي الذي بنت عليه دولة اديولوجية في شعب مستعد للتضحية من اجل نظامه , المتمثل بالفقيه الولي والمعصوم , وهو ما جعل الثورة والدولة الإيرانية تصمد حتى الان دون اللجوء إلى أي قوة خارجية .

 

وهنا نقول ان المشهد بخياراته المتعددة سيبقى مفتوحا على كل الاحتمالات، فإما أن تنجح قنوات التهدئة الخفية، بوساطة عمانية أو قطرية، في تثبيت حالة "الرد المحدود"، وإما أن تنزلق المنطقة إلى مسار تصعيد تدريجي قد يتحول إلى نزاع إقليمي مفتوح. وفي الحالتين، فإن لحظة الثالث عشر من حزيران ستبقى مفصلًا حاسمًا في تاريخ الصراع الإسرائيلي-الإيراني، ونقطة تحوّل قد تعيد تعريف مفاهيم الردع، السيادة، وحدود اللعبة الجيوسياسية في الشرق الأوسط كله.

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2025