بقلم: المهندس مدحت الخطيب
بعيد عن الخطط العسكرية والدعم
الاستخباري واللوجستي، بعيدا عن قوانين الحروب وساعة الصفر العسكرية، بعيدا عن
كلام القادة والزعماء وأركان الجيوش، بعيدا عن العتاد والعدة والفرق المجوقلة،
بعيدا عن ميركافا وأسراب طائرات القوات الجوية الإسرائيلية.
بعيدا عن كل ذلك كان موعدهم الفجر وأن
فجر النصر لقريب، من هناك من بساطة الحياة ومكوناتها من قلب الحصار والدمار من ورش
التصنيع والاستعداد بمكوناتها البسيطة وبموادها ومواردها وأجهزتها التقليدية، هُزم
الجيش الذي لا يقهر وولوا الدبر على أيادي أبطال غزة، فكانت صيحاتهم وهم كالجرذان
يهربون أدهى وأمر....
لا تعريف ولا إعراب ولا توضيح لما حدث
إلا بقول الله تعالى (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) ...وهذا ما حدث قولا
وعملا فتحطمت القوانين والنظريات والخطط العسكرية وألقاها أبطال غزة في سلة
المهملات...
هو الطوفان بعينه صُنع وأنتج وكُتب
بحروف من ذهب بأيادٍ صابرة صامدة مقاومة صانعة للمجد وعنوان الكبرياء لأمتنا...
قيل (الكف) لا يقاوم (المخرز) ولكن ما
شاهدناه خلال 24 ساعة الماضية كسر قيد المخرز وخرافة الجيش الذي لا يهزم لا بل حول
«إسرائيل» وقادتها وجيشها وعربدتها إلى أضحوكة في عيون الأمم...
نعم لقد أصبح طوفان غزة واقعا لا تخطئه
العين والأذن انقلبت فيه الأدوار بين «حماس» ودولة الكيان، في القديم كانت غزة
مسرح الصراع ومكانا للقصف والقتل والدماء والبكاء والتشبيح الصهيوني، واليوم أصبحت
إسرائيل هي المسرح لكل ذلك...
بعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة
عام 2005 برعاية شارون، خاضت إسرائيل عددا من العمليات العسكرية ضد القطاع
المحاصر، أكثرها دموية كان في عام 2014 في ذلك الوقت دخلت إسرائيل إلى داخل حدود
قطاع غزة وتحدثت عن نجاح خطتها وتدميرها للإنفاق وأوهمتنا جميعا وأوهمت العالم
والرأي الداخلي الإسرائيلي هناك أنها شكلت منطقة عازلة قادرة على حماية مناطق ما
يسمى بغلاف غزة من الهجمات الصاروخية، لتكشف لنا عملية طوفان الأقصى زيفهم وكذب
زعاماتهم ووهن قوتهم وانكسار هيبتهم ....
في كل العمليات السابقة على غزة كان
الرد من النوع التقليدي والمتعارف عليه تقريبا، كان إما بإطلاق الصواريخ، وإما
بالطائرات والمسيرات، وكلما كانت مسافة الصاروخ الذي يطلق من غزة أطول داخل فلسطين
المحتلة، كنا نفرح ونعتبر الأمر على أنه نجاح جديد للمقاومة الفلسطينية، هكذا كان
مقياس النجاح قبل الطوفان، أما اليوم فقد اختلفت الأدوار وقعد العدو على دكة
المتفرج وانطلقت المقاومة جوا وبرا بكل قوة واقتدار وتخطيط ومباغتة...
اليوم انهارت الصورة الحديدية لجيش
الاحتلال المتهالك وشاهدناه وهو يتعرض للإذلال أمام رجال القسام، فما عساها أن
تعمل دوائر التجميل والتزويق والطمس بعد اليوم، لقد تلاشت فزعات المتخاذلين والتي
جُند لها عالم مهزوز، وإعلام ونخب وسياسيون ، فاستعادت الأشياء بديهيتها، إنه
طوفان أصحاب الأرض لاستعادة أرضهم وصد احتلال طال ليله.
لم نعد نحبس الأنفاس بعد اليوم خوفا
فميزان الخوف والقلق والضجر والتأذي والتجبر قد اختل، حتى أصبحت تمر الدقائق
بطبيعتها فتنهمر الصور والأخبار علينا كحبات المطر رويدا رويدا وتكبر وتشتد معها
الهمم، وهذا بفضل الله وصلابة المقاومة التي غيرت قواعد اللعبة إلى الأبد...
اليوم تغير كل شيء حتى تغيرت طريقة
خروج رئيس وزراء العدو ولم يعد يتبجح في خطاباته، خرج على العالم متأخرا لأكثر من
ثلاث ساعات مهزوما مرعوبا مصفر الوجه ليقول إن إسرائيل في حالة حرب مفتوحة، وأنه
يخوض معركة وحربا مع حماس، كيف له أن يتحدث بغير ذلك ومواقعهم محتلة وجنودهم بين
قتيل وجريح وأسير والصواريخ تنهمر عليهم من كل حدب وصوب، حتى أُدخلت قواتهم الهشة
في حالة صدمة وانكسار وصمت وعدم القدرة على الرد الى الآن.
بقناعتي المعركة الحقيقية انطلقت ولن
تتوقف بمجرد تدخل هنا أو هدنة هناك وتبدو الأيام القادمة مقبلة على أحداث لا تقل
إدهاشا عما حدث.
فإن ما حدث للان على الأقل سيعيد رسم
خارطة الشرق الأوسط من جديد ، ويعيد للعرب مكانتهم إن رغبوا في ذلك ....
في الختام أقول سوف تصل حتما عملية
«طوفان الأقصى» إلى نهايتها ويكفينا فخرا أنها أظهرت هشاشة الأمن القومي الداخلي
لدولة الكيان، وأننا كعرب قادرون إن توفرت لدينا القوة والشجاعة على تحقيق النصر
والأهم من ذلك، أن ما قبل طوفان الأقصى لن يكون كما بعده وخصوصا على تجار الأوطان
وعملاء الاحتلال والخنوع والانهزام.
اليوم لا مكان للوسطاء المأجورين
المرتجفين ولا وقت للعب والتفاوض غير المجزي، ستكون الكلمة للاقوى على الأرض
وستعلن غزة وبصوت مرتفع وعلى رؤوس الاشهاد ولكل أحرار الأمة العربية والاسلامية
والعالم الحر أن فجر النصر قادم وأن الاحتلال وأن طال ليله ذاهب الى زوال، وأننا
طلاب عدالة نحب الموت أن لزم الأمر كما تحبون الحياة، وأن إسرائيل ومهما امتلكت من
أسلحة ودعم ما نفعها ذلك بعد اليوم فقد قامت غزة كطائر الفينيق وقامت معها دنيا
الأحرار ولن تنام بعد الآن بعون الله كلمة الأحرار...