بقلم: المهندس مدحت الخطيب
بعث لي احد الاصدقاء رابط فيديو يظهر شخص مغامر كما يقول يقوم بالدخول الى احد الغسالات الاتوماتيك.. بمساعدة صديق اخر وبعد أن دخل مكبلا صاغرا، وضع صديقة كمية من الصابون، والماء وقام بتشغيل الغسالة لفتره من الزمن، والرجل يتقلب بداخلها ويصرخ كالفأر المذعور، وصديقة باسط ذراعيه بالوصيد يراقب المشهد عن قرب ويقوم بتصويره مسرورا فرحا، بعدها بدقائق ومن شدة الصراخ، فتح الباب وخرج يترنح كالسكارى، لم يصنع انجاز ولم يقدم لنا شئ الا انه شعر بالضيق والقيء والغثيان واضحك من شاهد الفيديو عليه.. .اليس هذا بمرض من امراض هذا الزمان، مرض التجربة ولو لمره، وقد يقول قائل هذا فن من فنون المغامرات فلماذا النقد دعنا نستطل على عالمنا المخفي ونخلق المغامرات كما نشاء..
اقول أن مهمة المجتمع الان ـ وبعد تزايد حالات الانفصام المجتمعي ـ ليست في إدانة المنحرف وإصدار الحكم عليه فقط، بل البحث في ظروف الانحراف، وفي أسباب هذا العمل المرفوض، إلى جانب البحث الجدي والمعمق في شخصية المنحرف لمساعدته على إعادة النظر في سلوكه وفي تغيير مواقفه الخاطئة.
يقول جليل وديع في كتابه (أمراض المجتمع): من المعروف أن تدني الحالة الاقتصادية لأية عائلة لا يسمح بتلبية جميع متطلباتها، وهذا قد يولد الخلافات بين الزوجين .وقد تلعب البطالة وفقدان الموار دوراً فاعلاً في هذا التدني وخلق هذا الخلاف..
وفي هذا المجال، ( وجد سالوس) في دراسة له على الأحياء البائسة والمعدمة اقتصاديا أن العوز المادي ليس كافياً بمفرده لتفسير الانحراف، فهناك متغيرات خمسة تقود الى الانحراف وهي: (غياب الأب، وسوء تفاهم الوالدين، والبطالة وعدم الاستقرار المهني، والإدمان الكحولي او المخدرات ومنها الشائع حاليا في بلدنا الجوكر، والماضي الجانح لأحد الوالدين.). اضيف الي ما قيل واحدة وهي قلّة الوازع الديني في مجتمعاتنا كعرب ومسلمين.
إنّ أغلب الجرائم والانحرافات السلوكيّة تحدث نتيجة الغفلة عن الرقابة الإلهيّة، فاحذر رفيق السوء، فإنه يُفسد عليك دينك ودنيتك، ويخفي عنك عيوبك، يُحسّن لك القبيح، ويُقبّح لك الحسن، يجرّك إلى الرذيلة، ويباعدك من كل فضيلة، حتى يُجرّئك على فعل الموبقات والآثام، والصاحب ساحب، فقد يقودك إلى الفضيحة والخزي والعار، وليست الخطورة فقط في إيقاعك في التدخين أو الخمر أو المخدرات، بل الخطورة كل الخطورة في الأفكار المنحرفة والعقائد الضالة، فهذه أخطر وأشد.
لا شك ان المجتمع العربي و(الأردني) على الخصوص يمر بمراحل اقتصادية واجتماعية خطيرة جدا، تلزم اصحاب القرار بدق ناقوس الخطر، وان تبحث عن الاسباب والمسببات لهذا الانفصام.. .فاب يقتل زوجته وأبناءه، واخر ينحر والدته ويقطع رأسها ويقلع عينيها، وثالث يقتل شقيقته طعنا بداعي الشرف، وابن يقتل أباه واب يقتل ابنه.، و زوجه تقتل زوجها بالاتفاق مع عشيقها.. وهنالك الكثير الكثير من المصائب التي تقشعر لها الابدان .. .
لذلك على المجتمع أن لا يبقى مصدوما مذهولا ازاء مشاكل كهذه، في زمنٍ تتوارى فيه الحقيقة خلف حُجُب الزيف والظلال، علينا ان نسلط الضوء على واقع المجتمع الإردني الحالي، وطبيعة العلاقات بين الناس وخصوصا بعد حالات اللجوء التي ادخلت علينا ثقافات جديدة، قد تكون إيجابية أو سلبية.. .
يقول علماء النفس أن المجتمع السليم هو الذي يدور في فلك الأفكار والمبادئ، أما المجتمع المريض فهو الذي يدور في فلك الأشخاص فقط، ومجتمعاتنا كما تعلمون للاسف تدور في فلك الاشخاص وقداستهم، فابن الوزير وزير، وابن الشيخ شيخ، وابن الحراث حراث، لذلك يولد الطموح ميتاَ ويكثر الانحراف والتذمر والقتل والجوع.. حتى اصبح الموت البطئ يتسلل الى قلوب العقلاء منا
.. في الختام اقول لا يصلح المجتمع الا بالعدل . فبالعدل تعيش الامة وتعرف معنى الاستقامة في الفعل ولن تكون الا بوضع الشيء موضعه، بتحقيق العدل سوف يشعر الناس بالطمأنينة والاستقرار، وهذا بالتأكيد سيحفزّهم على العمل والإنتاج بالشكل المتقن والسليم وبالتالي سيزدهر المجتمع ويتقدّم، فمن يشعر بأنّ حقوقه محفوظة سيعمل ويجتهد من أجل الوصول لأهدافه وبالطرق الشرعية والقانونية، ومن يشعر بعكس هذا إما أن يتكاسل ويهمل أو يلجأ للطرق غير القانونية لتحقيق ما يطمح إليه وبذلك نهدم لا نخدم.. .