القسم :
محلي - نافذة على الاردن
نشر بتاريخ :
01/09/2025
توقيت عمان - القدس
4:26:59 PM
البقاعي يكتب: النهضة الاقتصادية.. من إدارة الأزمات إلى صناعة الْمستقبل
الحقيقة
الدولية – عمّان- كتب عبدالرحيم البقاعي
فِي دُوَلٍ كَانَتْ أَمْسِ مَنْسِيَّةً عَلَى خَرِيطَةِ الْعَالَمِ،
تَحَوَّلَتِ بالْإِرَادَة السِّيَاسِيَّة وَالْعَقْلِيَّة الِاقْتِصَادِيَّة
النَّاضِجَة إِلَى مَصَانِعَ لِلثَّرْوَةِ، وَمَشَاتِلَ لِلْإِبْدَاعِ،
وَمَطَارِحَ لِلتَّنْمِيَةِ الشَّامِلَةِ.
وَفِي
الأُرْدُنِّ، الَّذِي يَزْخَرُ بِمَوَقِعِهِ الِاسْتِرَاتِيجِيَّ وَعُقُولِ
شَبَابِهِ، حَانَ الْوَقْتُ لِنَنْتَقِلَ مِنْ مَوْسِمِ التَّذَمُّرِ إِلَى
مَوْسِمِ الْإِنْجَازِ وَالْقَفْزَةِ الْكُبْرَى.
فَلَا
النِّفَاقُ يَبْنِي اقْتِصَادًا، وَلَا التَّنْمِيقُ يَصْنَعُ مَجْدًا، إِنَّمَا
الْخُطُوَاتُ الْعَمَلِيَّةُ الْجَرِيئَةُ هِيَ مِفْتَاحُ النَّهْضَةِ
الْمُرْتَقَبَةِ..
الأُرْدُنُّ
وَالنَّهْضَةُ الِاقْتِصَادِيَّةُ: مِنْ إِدَارَةِ الْأَزَمَاتِ إِلَى صِنَاعَةِ
الْمُسْتَقْبَلِ.
لَمْ يَعُدْ
أَمَامَ الِاقْتِصَادِ الأُرْدُنِّيِّ تَرَفُ الْوَقْتِ وَلَا مَسَاحَةُ
التَّرَدُّدِ...
نَحْنُ أَمَامَ
وَاقِعٍ اقْتِصَادِيٍّ مُثْقَلٍ بِالْمَدْيُونِيَّةِ الَّتِي تَجَاوَزَتِ
الْحُدُودَ الْآمِنَةَ، وَعَجْزٍ مُزْمِنٍ فِي الْمُوَازَنَةِ الْعَامَّةِ،
وَمُعَدَّلَاتِ بَطَالَةٍ تَضْرِبُ فِي صَمِيمِ الشَّبَابِ وَالْخِرِّيجِينَ،
وَقَاعِدَةٍ إِنْتَاجِيَّةٍ مَحْدُودَةٍ تُدَارُ بِعَقْلِيَّةٍ تَقْلِيدِيَّةٍ فِي
زَمَنِ الثَّوْرَةِ الصِّنَاعِيَّةِ الرَّابِعَةِ.
الْحَقَائِقُ
وَاضِحَةٌ:
نِسْبَةُ
الدَّيْنِ الْعَامِّ تُلَامِسُ مُسْتَوَيَاتٍ خَطِيرَةً تَتَجَاوَزُ ١١٠٪ مِنَ
النَّاتِجِ الْمَحَلِّيِّ الْإِجْمَالِيِّ.
الْبَطَالَةُ
تَقْتَرِبُ مِنْ رُبُعِ الْقُوَى الْعَامِلَةِ،
وَتَرْتَفِعُ
أَكْثَرَ بَيْنَ الشَّبَابِ وَالنِّسَاءِ.
الِاسْتِثْمَارُ
الْأَجْنَبِيُّ الْمُبَاشِرُ يَتَرَاجَعُ بِسَبَبِ بِيُوقْرَاطِيَّةٍ خَانِقَةٍ،
وَتَشْرِيعَاتٍ مُتَقَلِّبَةٍ، وَغِيَابِ رُؤْيَةٍ اقْتِصَادِيَّةٍ مُسْتَقِرَّةٍ.
إِنَّ أَيَّ
خِطَابٍ اقْتِصَادِيٍّ لَا يُوَاجِهُ هَذِهِ الْحَقَائِقَ بِجُرْأَةٍ، وَلَا
يُقَدِّمُ حُلُولًا عَمَلِيَّةً، هُوَ مَحْضُ تَجْمِيلٍ مُؤَقَّتٍ لَا يَصْنَعُ
نَهْضَةً.
أَوَّلًا:
تَحْرِيرُ بِيئَةِ الْأَعْمَالِ مِنَ الْقُيُودِ
فالِاسْتِثْمَارُ
لَا يَنْتَظِرُ فِي طَوَابِيرِ الْمُعَامَلَاتِ...
الْمَطْلُوبُ
إِصْلَاحٌ تَشْرِيعِيٌّ شَامِلٌ يَدْمِجُ الْمَرَاجِعَ الِاسْتِثْمَارِيَّةَ فِي
هَيْئَةٍ وَاحِدَةٍ ذَاتِ صَلَاحِيَّاتٍ تَنْفِيذِيَّةٍ كَامِلَةٍ، مَدْعُومَةٍ
بِمَنْصَّةٍ رَقْمِيَّةٍ مُتَكَامِلَةٍ تَخْتَصِرُ الْإِجْرَاءَاتِ إِلَى أَيَّامٍ
لَا أَشْهُرٍ.
يُشَكِّلُ
مَشروعُ أُنبوبِ النَّفطِ العراقيِّ إلى الأُردنِ واحِدًا من أبرَزِ مَلامِحِ
التَّكامُلِ الاقتصاديِّ بَينَ البَلدَينِ الشَّقيقَينِ، إذ لا يُمَثِّلُ مَحضَ
بُنيَةٍ تَحتِيَّةٍ لنَقلِ الطَّاقةِ، بَل يُجَسِّدُ رُؤيةً استراتيجيَّةً
عَميقَةً تُعيدُ رَسمَ دَورِ العِراقِ والأُردنِ في مَعادَلاتِ النَّفطِ
الدُّولِيَّةِ. فَالأُردنُ، بِوُصولِهِ إلى مَورِدٍ مُستَقِرٍّ ومُنتَظِمٍ،
يَتَحَرَّرُ جُزئيًّا مِن تَقَلُّباتِ الأسواقِ وضَغطِ فَواتِيرِ الطَّاقَةِ،
فيُعَزِّزُ قُدرَتَهُ على التَّخطيطِ والتَّنميةِ المستدامَةِ. وفي المُقابِلِ،
يَستفِيدُ العِراقُ مِن مَنفَذٍ حَيَويٍّ آمِنٍ إلى البَحرِ الأحمَرِ، يُمَكِّنُهُ
مِن تَوسِيعِ مَنافِذِهِ التَّصديريَّةِ وتَعظيمِ عائِداتِهِ. وبِهذا يُصبِحُ
الأُنبوبُ جِسرًا استراتيجيًّا يَربُطُ القُدراتِ النَّفطِيَّةَ العِراقيَّةَ
بالفرَصِ اللُّوجِستِيَّةِ الأُردنيَّةِ، مُؤَسِّسًا لِمرحَلَةٍ جَديدةٍ مِن
التَّقارُبِ الاقتصاديِّ والتَّكامُلِ الإقليميِّ.
تَجَارِبُ
مِثْلَ رُوَانْدَا وَالْإِمَارَاتِ أَثْبَتَتْ أَنَّ الْإِصْلَاحَ الْإِدَارِيَّ
السَّرِيعَ قَادِرٌ عَلَى مُضَاعَفَةِ الِاسْتِثْمَارِ خِلَالَ سَنَوَاتٍ
قَلِيلَةٍ.
ثَانِيًا:
نَهْضَةٌ صِنَاعِيَّةٌ وَزِرَاعِيَّةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْقِيمَةِ الْمُضَافَةِ...
لَا يُمْكِنُ
أَنْ يَبْقَى الْأُرْدُنُّ سُوقًا اسْتِهْلَاكِيَّةً صَغِيرَةً تَعْتَمِدُ عَلَى
الِاسْتِيرَادِ.
ألْمَطْلُوبُ:
صِنَاعَاتٌ تَحْوِيلِيَّةٌ تَسْتَفِيدُ مِنَ الْمَوَادِّ الْخَامِ الْمُتَاحَةِ،
وَتَسْتَهْدِفُ التَّصْدِيرَ لِلْأَسْوَاقِ الْإِقْلِيمِيَّةِ.
أمَّا فَتحُ
الحُدودِ الأُردنيَّةِ السُّوريَّةِ، فَهُو أبعَدُ مِن كَونِه تَرتِيبًا إداريًّا
لِعُبورِ الأفرَادِ والبَضائِعِ، إنَّهُ استِثمارٌ استراتيجيٌّ في استِقرارِ
المِنطَقَةِ وانتِعاشِ اقتصاداتِها.
فَبِعودةِ
الحَرَكَةِ الطَّبيعيَّةِ إلى المَنافِذِ البَرِّيَّةِ، تَنتَعِشُ التِّجارةُ
البَينيَّةُ، وتَتَدفَّقُ السِّلَعُ والخَدماتُ، وتَتَّسِعُ حَلَقَاتُ التَّوزيعِ
والإمدادِ، مِمَّا يُساهِمُ في استِقرارِ الأسعَارِ وتَعزيزِ قُدرَةِ الأسوَاقِ
على تَلبِيَةِ احتِياجاتِها. ولِلأُردنِ في ذلك رِبحٌ استراتيجيٌّ يُعِيدُ له
دَورَهُ كَمِحورٍ لِلتَّجارَةِ العَابرَةِ بَينَ الشَّرقِ والغربِ، كما تَجِدُ
سُوريا في هذا الفَتحِ دَعمًا لِقُدرَتِها على استِرجاعِ حَيوِيَّتِها
الاقتِصاديَّةِ، وتَوثِيقِ صِلَتِها بِأسواقِ الجِوارِ.
إنَّهُ فَتحٌ
يُمَثِّلُ مكسبا حيويا لِلاقتِصادِ الأردني ورَصيدًا للاستِقرارِ، وجِسرًا يَمدُّ
الخُيوطَ بَينَ الشَّعوبِ لِخَيرٍ مُشتَرَكٍ لا يَعرِفُ الحُدودَ.
زِرَاعَةٌ
ذَكِيَّةٌ تَعْتَمِدُ عَلَى التِّكْنُولُوجْيَا لِتَرْشِيدِ الْمِيَاهِ
وَزِيَادَةِ الْإِنْتَاجِيَّةِ، مِثْلَمَا فَعَلَتْ هُولَنْدَا الَّتِي
تَحَوَّلَتْ إِلَى ثَانِي أَكْبَرِ مُصَدِّرٍ غِذَائِيٍّ فِي الْعَالَمِ رَغْمَ
مَحْدُودِيَّةِ أَرَاضِيهَا.
رَبْطُ هَذِهِ
الْقِطَاعَاتِ بِسَلَاسِلِ الْقِيمَةِ الْعَالَمِيَّةِ، وَاسْتِقْطَابُ
اسْتِثْمَارَاتٍ مُشْتَرَكَةٍ مَعَ دُوَلٍ تَبْحَثُ عَنْ مَوَاقِعَ إِنْتَاجٍ
قَرِيبَةٍ مِنْ أَسْوَاقِ الشَّرْقِ الْأَوْسَطِ وَأَفْرِيقْيَا.
ثَالِثًا:
رَأْسُ الْمَالِ الْبَشَرِيُّ هُوَ الْمُحَرِّكُ إذ
لَا قِيمَةَ
لِأَيِّ خُطَّةٍ اقْتِصَادِيَّةٍ دُونَ قُوَّةِ عَمَلٍ مُؤَهَّلَةٍ.
ألْمَطْلُوبُ
إِعَادَةُ هَيْكَلَةِ التَّعْلِيمِ وَالتَّدْرِيبِ الْمِهْنِيِّ وِفْقَ
احْتِيَاجَاتِ السُّوقِ، مَعَ شَرَاكَاتٍ مُبَاشِرَةٍ بَيْنَ الْجَامِعَاتِ
وَالْقِطَاعِ الْخَاصِّ، عَلَى غِرَارِ مَا نَجَحَتْ فِيهِ أَلْمَانْيَا بِنِظَامِ
التَّعْلِيمِ الْمُزْدَوَجِ.
رَابِعًا:
أَمْنُ الطَّاقَةِ أَسَاسُ التَّنَافُسِيَّةِ...
إن فَاتُورة
الطَّاقَةِ الْمُرْتَفِعَة تُخْنِقُ الصِّنَاعَاتِ.
عَلَى
الْأُرْدُنِّ أَنْ يَسْتَثْمِرَ بِجُرْأَةٍ فِي الطَّاقَةِ الشَّمْسِيَّةِ
وَطَاقَةِ الرِّيَاحِ، وَيُطَوِّرَ مَشَارِيعَ الرَّبْطِ الْكَهْرُبَائِيِّ
الْإِقْلِيمِيِّ، لِتَأْمِينِ مَصْدَرِ طَاقَةٍ مُسْتَدَامٍ مُنْخَفِضِ
الْكُلْفَةِ، مِمَّا يُعَزِّزُ تَنَافُسِيَّةَ الْإِنْتَاجِ الْمَحَلِّيِّ.
خَامِسًا:
رُؤْيَةٌ وَطَنِيَّةٌ مُلْزِمَةٌ عَبْرَ الْحُكُومَاتِ
التَّجَارِبُ
النَّاجِحَةُ فِي سِنْغَافُورَةَ وَإِسْتُونِيَا أَثْبَتَتْ أَنَّ الثَّبَاتَ فِي
السِّيَاسَاتِ الِاقْتِصَادِيَّةِ أَهَمُّ مِنْ أَيِّ حَوَافِزَ مُؤَقَّتَةٍ.
نَحْتَاجُ إِلَى
رُؤْيَةٍ اقْتِصَادِيَّةٍ لِعَشْرِ سَنَوَاتٍ، بِمُؤَشِّرَاتِ أَدَاءٍ وَاضِحَةٍ،
مُلْزِمَةٍ أَمَامَ الْبَرْلَمَانِ وَالشَّعْبِ، بِحَيْثُ يُحَاسَبُ كُلُّ
مَسْؤُولٍ عَلَى مَدَى الْتِزَامِهِ بِتَحْقِيقِهَا.
الْأُرْدُنُّ
يَمْتَلِكُ الْمَوْقِعَ الِاسْتِرَاتِيجِيَّ، وَالِاسْتِقْرَارَ السِّيَاسِيَّ،
وَالْكِفَاءَاتِ الْبَشَرِيَّةَ، لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى إِرَادَةٍ
سِيَاسِيَّةٍ حَاسِمَةٍ، وَتَفْكِيكِ الْبِيُوقْرَاطِيَّةِ، وَاسْتِثْمَارٍ
ذَكِيٍّ فِي الْقِطَاعَاتِ الْإِنْتَاجِيَّةِ.
لَقَدْ حَانَ
وَقْتُ الِانْتِقَالِ مِنْ إِدَارَةِ الْأَزَمَاتِ إِلَى صِنَاعَةِ
الْمُسْتَقْبَلِ، وَمِنِ اسْتِهْلَاكِ الْمَوَارِدِ إِلَى تَوْلِيدِ الثَّرْوَةِ.
إِنَّ
التَّارِيخَ لَا يَنْتَظِرُ الْمُتَرَدِّدِينَ، وَالِاقْتِصَادَ لَا يَرْحَمُ مَنْ
يَكْتَفِي بِالْوُعُودِ...
Monday, September 1, 2025
-
4:26:59 PM
المزيد من اخبار القسم الاخباري