القسم : مقالات مختاره
الحراك الملكي يعزل القرار الأميركي حول القدس
نشر بتاريخ : 12/24/2017 11:57:51 AM
حسين هزاع المجالي

 
حسين هزاع المجالي 

من المؤكد أنه لولا الحراك الملكي والصلابة التي أظهرها في مواجهة القرار الأميركي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لما وصلنا إلى هذه النتيجة التي بدأت فيها واشنطن معزولة من مؤيدين إلا من بضعة دول لا ثقل سياسي أو جغرافي لها.

128 دولة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة قالت، لا لقرار أميركا، وقبلها كانت 14 دولة في مجلس الأمن عارضت قرار نقل السفارة، وهي في ذلك تنحاز إلى الحق وإلى الرؤية الأردنية التي استطاع جلالة الملك أن يوصلها إلى العالم ليقول كلمته في حالة نادرة أن ينتصر فيها كل العالم لقضية عربية كما هو الحال في قضية القدس.

الحراك الملكي والموقف العالمي المناهض لقرار ترمب، أزعج إدارة الأخير إلى الحد الذي حاول فيه التأثير على دول العالم بالتهديد بقطع المساعدات المالية، غير أن ذلك لم يثبط من عزيمة العالم الحر للوقوف إلى جانبنا في قضيتنا العادلة.

المساعدات الأميركية للأردن، تعد من أكبر المساعدات، إلا أن صاحب القرار كان يدرك منذ البدء نتائج المواجهة المباشرة مع واشنطن، ورغم ذلك آثر المضي قدما في تشكيل رأي عام عالمي مناهض للقرار ، انطلاقا من قدسية القضية التي يدافع عنها والتي لا يمكن المساومة عليها مقابل مساعدات مالية أو غير ذلك.

هذا الموقف، عبر عنه الأردنيون جميعا، والذين تناسوا همومهم والتحديات التي يواجهونها نتيجة ارتفاع الأسعار الذي يفرضه واقع حال الموازنة التي تأثرت بتقلص المساعدات إلى الحدود الدنيا ما جعلنا في أمس الحاجة للاعتماد على الذات وإجراء مزيد من الاصلاحات الاقتصادية.

من راقب وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأخيرة، لأدرك مدى التصاق الأردنيين بقائدهم عبر تأكيدهم على المضي معه قدما في معركة الدفاع عن القدس، وأنهم مستعدون للجوع ولا المذلة، في إشارة واضحة لتهديدات الإدارة الأميركية بقطع المساعدات عن الدول التي ستصوت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ضد قرارها.

قرار الجمعية العامة للامم المتحدة، ذو طابع سياسي لا قانوني، غير أن له من الأهمية بمكان في تعميق أزمة دونالد ترمب في العالم، وفي ترسيخ رؤية الأردن لوضع القدس التي يجب أن تكون كما نصت عليها الاتفاقيات الدولية التي تبناها المجتمع الدولي والتي لا يجب أن يغيرها قرار أحادي أكان من طرف أميركا أو من طرف إسرائيل.

هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن قرار الجمعية العامة، ساهم في خلق مناصرين جدد لقضيتنا العادلة، ولولا قرار ترمب وحراك جلالة الملك لما كنا لنتعرف عليهم، وهذا من شأنه أن يكون الضامن لنا في تشكيل حصن دولي منيع ضد أي محاولات أو صفقات تأتي على حسابنا وعلى حساب قضايانا العادلة.

قضية القدس، أكدت أن الأردن قادر على أن يخوض معاركه لوحده، وأنه قادر على حمل ملفاته إلى العالم أجمع وخلق انحياز عالمي لصالحه، وفي هذا أقوى رسالة تؤكد مكانة الأردن ومدى احترام مختلف دول العالم لجلالة الملك.

على العموم، ترمب يعاني داخليا، وتحقيقات التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأميركية ضد هيلاري كلينتون، تضغط عليه وتضيق الخناق أكثر، ما يفتح على احتمالات عدة قد لا تكون السياسة الأميركية معتادة عليها عندما يكون الخيار بعزله إذا ما تأكدت شكوك المحققين حيال معرفته بالتدخل الروسي.

لذلك، لا يمكن استبعاد نظرية «أزمة ترمب الداخلية» في أنها كانت المحرك الرئيس الذي دعاه لإعلان قرار الاعتراف، بالقدس عاصمة لإسرائيل، متجاوزا بذلك القوانين والمواثيق الدولية.

بالتالي، من الممكن أنه رأى في قراره طوق النجاة عندما يخطب ودّ الجماعات اليهودية واللوبي الصهيوني واليمين المتطرف في أميركا، علّهم يساهمون في تخفيف الضغط عليه.

غير أن ما لم تتوقعه الإدارة الأميركية أن يواجه قرار ترمب كل تلك العزلة من قبل دول العالم، وتحديدا الدول التي تعد من أوثق حلفاء الولايات المتحدة مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول التي جاء موقفها تتويجا للجهد الملكي الذي طالما حذر من مغبة اتخاذ أي قرار أحادي الجانب حيال القدس.

اليوم، ما الذي يمكن فعله أيضا لدفع الإدارة الأميركية إلى التراجع عن قرارها وإلى دفعها للعمل بجدية نحو تحريك عملية السلام، وفقا للقرارات الدولية واجماع العرب على مبادرتهم التي تبنوها في قمة بيروت العام 2002.

من المؤكد أن حراك الملك سيستمر عالميا وعبر الهيئات الدولية في الدفاع عن قضية القدس، وأننا لم نعد وحدنا فثمة 128 دولة في العالم تقف إلى جانبنا، غير أن المطلوب من العرب على وجه التحديد أن يرفعوا من مستوى حراكهم ليتوازى مع حراك جلالة الملك وذلك بإيجادهم منابر جديدة يزيدون الضغط فيها على إدارة ترمب للتراجع عن قراره أو تزيد من عزلته.

وهذه المساهمات، يجب أن تكون جادة ونابعة من منطلق المسؤولية التاريخية والأخلاقية والدينية لجميع الدول العربية تجاه القدس، ومن ثم لا بد أن يكون للعالم الإسلامي مساهماته الجادة حيال ذلك أيضا، وهذه المساهمات، يجب أن تستمر ولا تتوقف عند حدود البيانات فقط.

يجب أن يظل خيار اللجوء إلى المنظمات والهيئات الدولية حاضرا في ذهن الجميع لتبيان الخروقات القانونية التي ارتكبتها الإدارة الأميركية في قرارها أحادي الجانب حيال القدس.

كما ولا بد للجماهير أن تظل معبرة عن الغضب من قرار ترمب لتكون سندا وظهيرا لحكوماتها ولتظل محفزة لحكوماتها على مواصلة الدفاع عن القدس.

كما ويجب على الفصائل الفلسطينية أن تُنحي جانبا خلافاتها وأن تسارع إلى اتمام مصالحة جادة بينها، لتنسيق المواقف الرافضة للقرار ، لأن بقاء الحال على ما هو عليه، سيساهم في إلحاق الضرر بالقضية الفلسطينية وفي قضية القدس على وجه التحديد.

في الأردن، ظل الموقف الملكي والرسمي والشعبي منسجما حيال القدس والقرار الأميركي، وهذا ما هو مطلوب من بقية الدول العربية على وجه التحديد، لأن الاكتفاء بالشجب والتنديد والتصريحات المهادنة من شأنها أن تضر بقضية قبلة المسلمين الأولى وفي حق العرب والمسلمين فيها.

الإدارة الأميركية مأزومة داخليا بقضية التدخل الروسي بالانتخابات الرئاسية، وهي مأزومة اليوم بما يواجهه قرار ترمب حيال القدس من عزلة، فهل نستغل نحن العرب والمسلمين على وجه التحديد، اللحظة التاريخية للدفاع عن مقدساتنا الإسلامية والمسيحية في القدس؟.

عن الرأي

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023