القسم : مقالات مختاره
تقرير دافوس عن التعليم
نشر بتاريخ : 1/2/2017 11:39:19 AM
د.رحيل محمد غرايبة

الكاتب: د. رحيل محمد غرايبة


يجدر بنا ونحن ندلف عتبة العام الجديد، أن نقف ملياً على تقرير «دافوس» فيما يتعلق بمؤشرات التعليم لعام 2016، وترتيب دول العالم وفقاً لهذا المؤشر الذي ضم (140) دولة خضعت لعدد من المعايير الموضوعية، وبناءً على جمع البيانات العامة والخاصة عن هذه الدول ومدى التزامها بجودة التعليم فيما يتعلق بنحو اثنتي عشرة فئة أساسية تضم : المؤسسات، الابتكار، البيئة الاقتصادية الكلية، الصحة، التعليم الأساسي، التعليم الجامعي، التدريب، كفاءة الأسواق، سوق العمل، الجاهزية التكنولوجية، والتطوير البنيوي،…

لقد احتلت سنغافورة المرتبة الأولى على مستوى العالم بجدارة، ثم تليها سويسرا، ثم فنلندا، وحلت الولايات المتحدة في المرتبة الثامنة عشرة، والسويد في المرتبة التاسعة عشرة، والمانيا في المرتبة العشرين، وفرنسا (22) واليابان (31) واستراليا (32)، وتركيا في المرتبة (95) .

على الصعيد العربي كانت الدولة الأولى عربياً قطر، واحتلت المرتبة الرابعة على مستوى العالم، والإمارات استطاعت الحصول على المرتبة العاشرة عالمياً، ثم لبنان في المرتبة (25) والبحرين في المرتبة (33)، والأردن في المرتبة (45)، والمملكة العربية السعودية في المرتبة (54)، وجاءت مصر في المرتبة (139) من بين (140) دولة، والشيء الملفت في هذا التقرير أنه اعتبر ليبيا والسودان والعراق واليمن وسوريا والصومال خارج دائرة التصنيف، لأنها تفتقر إلى الحد الأدنى من المعايير المطلوبة.

ما يسترعي الانتباه ويستحق التوقف والتقدير في هذا التقرير التجربة السنغافورية التي تعد نموذجاً ناجحاً بكل المقاييس على هذا الصعيد، حيث استطاعت خلال (50) عاماً أن تتحول من جزيرة فقيرة يقطنها مجموعات من السكان الذين يعانون من الأمية والتخلف والفساد، إلى دولة متقدمة ديمقراطياً واقتصادياً وتعليمياً، وأصبحت تنافس على المراتب الأولى في تقرير التنمية البشرية وفي معظم التقارير الأخرى المشابهة، حيث أنها أصبحت في المرتبة الأولى على عدة صعد وفي كثير من المجالات ، وتقدمت على معظم دول العالم الصناعية الكبرى والمتقدمة في أغلب ميادين النهوض والإنجاز الحضاري.

لقد فطن الرئيس السنغافوري إلى حقيقة دور التعليم بوصفه عاملاً حاسماً في تحقيق النهوض والتقدم عبر إعادة بناء الإنسان وتأهيله ليكون قادراً على تحقيق الأهداف الاقتصادية المطلوبة، بالإضافة إلى مسار محاربة الفساد بجدية وصرامة من خلال التشريعات وسيادة القانون ومن خلال الإدارة الحكيمة الكفؤة، وعلى صعيد التعليم تم إطلاق مجموعة من المبادرات المدروسة بعناية مثل (مدارس التفكير تعلم الأمة)، وتم من خلالها مراعاة مجموعة من المسارات التي تتمثل بتحسين أمور المعلمين، واستقلالية مدراء المدارس، واستحداث التميز المدرسي، وبالإضافة إلى تعزيز المسار التنافسي بين المجموعات المدرسية والبرامج التدريسية، ثم أطلقوا مبادرة جديدة قائمة على فكرة (تعليم أقل وتعلّم اكثر) مما يعني إعادة النظر بطرائق التدريس التي تبتعد عن أساليب التلقين والحشو، والذهاب إلى إفساح المجال للتفكير والإبداع.

التجربة القطرية أيضاً استطاعت أن تحقق إنجازاً كبيراً في هذا السياق، فقد اتجهت إلى زيادة الانفاق على التعليم واستثمار الثروة الكبيرة من عوائد النفط والغاز لهذه الغاية ؛ فهي تخصص 3،2% من ناتجها القومي ونحو 12% من الانفاق الحكومي على التربية والتعليم ، أي ما يقارب (6) مليارات دولار سنوياً، وسوف ترتفع إلى (41) مليار دولار عام (2025م) من أجل رفع كفاءة وإمكانات الطاقة البشرية ، وتحسين المناهج المدرسية والجامعية ، والاستفادة من التقنيات الحديثة عالميا .

أعتقد أنه كان من الأجدر أن تكون الأردن هي الدولة العربية الأولى على مستوى التعليم، رغم تدني مستوى الدخل القومي وشح الإمكانات المادية ، التي تشكل ركيزة مهمة في هذا المجال ، لكن هناك عوامل أخرى تؤهل الأردن للمنافسة في هذا الحقل على وجه الخصوص؛ لما يتمتع به الأردن من كفاءة المدرس والمعلم الأردني والإنسان الأردني المتعلم والكفؤ، حيث أن الأردن استطاع أن يسهم في النهضة التعليمية لمعظم دول الخليج، فقد كان سباقاً في الالتفات إلى النهضة التعليمية بشكل مبكر، وما زال الأردن يملك المؤهلات التي تجعله قادراً على وضع خطة للمنافسة في هذا السباق ، بل ينبغي أن يكون الأمر كذلك.

عن الدستور

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023