بقلم: المهندس مدحت الخطيب
في مجلس من مجالس البلاغة والفطنة
والعلم، سُئل أحد الحكماء ما الفرق بين من يتلفظ بالحب ومن يعيشه؟؟؟
قال الحكيم: «سترون ذلك بأعينكم فالأمر
يحتاج إلى عمل»، وفي اليوم التالي دعاهم إلى وليمة وطلب من كل واحد منهم أن يكتب
رأيه ويضعه في ورقة ويضعها في وعاء جهز لذلك...
وعند الصباح بدأ بالذين لم تتجاوز كلمة
المحبة شفاههم ولم ينزلوها بعد إلى قلوبهم، وجلس إلى المائدة، وهم جلسوا بعده ثم
أحضر الحساء وسكبه لهم، وأحضر لكل واحد منهم ملعقة بطول متر!!! واشترط عليهم أن
يحتسوه بهذه الملعقة العجيبة!!! حاولوا جاهدين لكنهم لم ينجحوا، لأن كل واحد منهم
لم يقدر أن يوصل الحساء إلى فمه دون أن يسكبه على الأرض!!!!
ومع تكرار المحاولة كانت النتيجة أنهم
قاموا جائعين في ذلك اليوم.
وعندها قال الحكيم: «حسن، والآن انظروا
الى المحبة الصادقة «!!! وقام بادخال الذين يحملون الحب داخل قلوبهم إلى نفس
المائدة وقدم إليهم نفس الملاعق الطويلة، فأخذ كل واحد منهم ملعقته وملأها بالحساء
ثم مدها إلى جاره الذي بجانبه وبذلك شبعوا جميعهم وحمدوا الله على نعمه.
وعندها وقف الحكيم وقال في الجمع حكمته
والتي عايشوها عن قرب عندما يفكر الانسان على مائدة الحياة أن يشبع نفسه فقط
فسيبقى جائعا، ومن يفكر أن يشبع أخاه سيشبع الإثنان معًا.
اليوم ما دمنا في شهر الصيام والعبادة
والطاعة وكلنا نبحث عن عمل نتقرب به إلى الله، أقول ما أحوجنا في هذه الأيام
المباركة أن نمتثل لقول سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم في نهج التراحم والتحاب -
«فليس المؤمن»، أي: ليس المؤمن الكامل الإيمان، «بالذي يشبع»، من الطعام والشراب
والملذات، «وجاره جائع إلى جنبيه»، لا يجِدُ ما يأكُلُه، وهو عالِمٌ بحالِ
اضطِرارِه وقادرٌ على مُساعَدتِه ..
فما بالكم بمن يشبع واقرب الناس اليه
في حاجة دون ان يساعدهم ولو بالقليل ...
في الختام أقول: وما نشاهده من جوع
ومجاعة حلّت على إخواننا في غزة، فرج الله عليهم ونصرهم على من خذلهم، ومن منطلق
التراحم الذي حث عليه ديننا، وكما يقال «بالشكر تدوم النعم»، فلو جعل كل واحد منا
دينارًا كل يوم عونًا لهم، لكان أفضل له ولهم. فكم نعمة من نعم الله ما عرفنا
قدرها إلا حينما فقدناها؟