بقلم: المهندس مدحت الخطيب
منذ انطلاق الحرب على غزة (وباستثناء
مشاركتها الوحيدة والتي أتت على استحياء في المؤتمر الذي عقد في السعودية) لم نسمع
لجامعة الدول العربية والتي من المفترض أن تتصدر المشهد، وتدخل عميقا بكل مراحل
الاشتباك وتتحكم عربيا بالضغط على الزناد إذا لزم الأمر، لا بل هي التي فوض لها أن
تقود الأحداث وتشارك وبشكل فاعل بكل ما يدور فينا عربيا وإقليميا ودوليا، كيف لا
وميثاقها تحدث عن ذلك ووثق لنا أنها مظلتنا الجامعة ودرع العرب وحاميهم والمدافع
عن حقوقهم في كل مكان وزمان، فهي الداعمة للسلام والأمن العربي، وهي التي تعمل على
توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها، وتنسيق خططها السياسية، تحقيقا للتعاون
بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها، والنظر بصفة عامة في شئون البلاد العربية
ومصالحها...
نعم هذا ميثاق جامعتنا العربية والذي
كُتٍب له أن يكون كأول ميثاق عربي جامع،..
ولكن وأقولها بكل تجرد اليوم جامعتنا غائبة أو
مغيبة عن المشهد وبعيدة كل البعد عن أحداث العدوان الإسرائيلي وعن الحرب
ومجرياتها، حتى لا نجدلها صوتا على الأقل في الأمور الإنسانية وعمليات تبادل
الأسرى التي تتم أو المساهمة والتنسيق في تقديم المساعدات على أقل تقدير...
اليوم من حقي كعربي أن أسأل عن دور
الجامعة ومشاركاتها واستغلال مكانتها إلا إذا كانت غزة تقع في عالم آخر وأهلها
المظلومين المكلومين ليسوا عربا...
ما جعلني أكتب مقالي هذا هو حالة
الإرباك التي أشاهدها بأم عيني لعدد من الدول العربية، وهذا بالطبع يعود بسبب غياب
الجامعة ودورها المحوري والفاعل، حتى انقسم المشهد العربي بين رافض للعدوان الهمجي
بالعلن، فتحركت دول بمفردها لوقف هذه الأجرام وعلى كافة المستويات الرسمية
والشعبية ومنها الموقف الأردني الذي لا يلين، وبين صامت بالعلن والله أعلم بالسر
(وقد يكون الصمت علامة للقبول والرضا عندهم)، وبين متخاذل وكأن الأمر لا يعنيه،
وبينهما تقع دول الأعراف (أصحاب الموقف الرمادي) الذين لم نفهم لهم حالا ولم نسمع
لهم أي استنفار ولو حتى بالكلام والهتاف والصراخ وهذا أضعف الإيمان...
بصدق ما زال الحلم العربي يراودني، وما
زال عندي أمل بموقف عربي موحد ومؤثر وضاغط وملزم، حتى يوقف هذا العدوان وتكون لنا
كلمه كعرب وأن تستغل قدراتنا ومقدراتنا والتي لا يستهان بها أن أردنا لها أن تكون
عنوان قوة لا عنوان ضعف...
نعم حلمت وسيبقى الحلم العربي يراودني
كواحد من بين أكثر من مليار عربي ومسلم، ولا أعرف هل كان حلمي بأب من أبواب أحلام
اليقظة، وإن كان كذلك فأتمنى من الله أن لا يكون مرده إلى نزغات الشياطين، والتي
استعيذ لي ولكم بالله من شرها...
في الختام أقول سلامي لكل من لم يفهم
إلى الآن عمق الانقلاب الذي حدث، فإرادة الضعفاء المقتحمين قد قهرت خوار الأقوياء
المتحصنين بكل عتاد الدنيا، ولا عجب فقد صنعت قذائف المقاومين البسيطة نوعا جديدا
للإيلام والردع سيسجلها التاريخ بحروف من ذهب، كيف لا وهي من حولت صواريخهم
الفتاكة إلى أضحوكة كتبت عنوانها على جدار من ذكريات ليالي القصف،
سينقشع الظلام بلا جدال وستنتصر
الحقيقة، وسيتجرع محتلو فلسطين مرارة الانكسار بعون الله وإلى الأبد...
وستكون قصص التنكيل بجنود دفع بهم جيش
قيل إنه "لا يقهر" إلى شوارع غزة لمطاردة الأهالي والأطفال والنساء،
نافذة لهذا الانتصار الأكبر ودرسا مهما لمن لا يحب صعود الجبال المقتنعين بالعيش
أبد الدهر بين الحفر...