القسم :
محلي - نافذة على الاردن
نشر بتاريخ :
31/07/2025
توقيت عمان - القدس
7:35:50 PM
الحقيقة الدولية -
الرمثا – محمد فلاح الزعبي
لم نجد وقتًا لنبكي على والدي، فقد كنا منهمكين في استقبال
الناس، نذبح، نطبخ، ونرتّب كل شيء. لكن ما الفائدة للميت؟ تمنيت أن أقرأ له ختمة
قرآن، لكننا صرفنا كل شيء على المناسف. بهذه الكلمات المؤثرة بدأ المواطن ( م . ش
) حديثه أثناء عزاء شقيقه، حيث استسلم للعادات والتقاليد التي طغت على ما هو أصل
في الدين.
في بلدة الشجرة بشمال الأردن، جلس المواطن بهدوء في مجلس
العزاء الذي أقامه لأخيه المتوفى قبل يومين، ملامحه تحمل تعبًا أكثر من الحزن. لم
يكن ذلك لأن الفقد كان سهلاً، بل لأن ما تلاه كان أكثر صعوبة، ليهمس لمقربيه وعلى
استحياء: لقد دفناه الساعة 11 صباحاً، وبحلول العصر بدأ الناس يسألونني: كم ذبيحة
ستطبخ؟ أنتم تعرفون المكانة الاجتماعية لأسرتكم، ولا يمكن عدم دعوة الضيوف.
هذه القصة ليست استثناءً. يوضح الحاج ( ح - ع ) أن العادة في المنطقة هي بدء الطبخ من أول
يوم عزاء لأنه يُعتبر واجباً اجتماعياً. ويضيف بأسى: إذا لم تطبخ، يبدأ الناس في
الحديث عنك وعن عائلتك ويقولون إنكم "مش قد المقام". وأحياناً، يُضطر
الشخص للاستدانة لتلبية هذه المتطلبات وكأن الحزن بمفرده لا يكفي.
وتمتد هذه الظاهرة إلى كافة مناطق الأردن. ففي العاصمة
عمّان، تقول السيدة أم رامي: عزينا في مناطق عمان الغربية، والمشهد كان أشبه بحفل
زفاف، فقد نصبت الخيام مع المكيفات، وتم تقديم طعام خمس نجوم. لكن أين الروحانية؟
فالناس يتحدثون عن جودة الطعام أكثر مما يتحدثون عن الفقيد.
من جهته، وجّه الشيخ علي الإبراهيم، إمام مسجد، رسالة واضحة
بيّن فيها أن الشرع لا يُطالب أهل الميت بتكريم الضيوف، بل طالب الناس بتخفيف
العبء عنهم عبر تقديم الطعام لهم. واستشهد بحديث نبوي شريف يقول: "اصنعوا لآل
جعفر طعاماً"، وهو إشارة إلى أن المقربين هم من عليهم تحضير الطعام لأهل
الميت لأنهم منشغلون بالحزن. وأكد الشيخ على ضرورة التصدي لهذه الظاهرة السلبية
خاصةً مع صعوبة الأوضاع المعيشية التي تعانيها الأسر. ودعا إلى الاقتداء بسنة
النبي الكريم ونشر التوعية حول هذا الأمر عبر خطباء المساجد والإعلام.
في مدينة إربد، قرر الأستاذ طارق وهو معلم مدرسة، أن يواجه
هذه الظاهرة بعملٍ ملموس عندما توفيت والدته. يقول: نشرنا بياناً عبر واتساب
وفيسبوك أعلنا فيه أن العزاء سيكون فقط للقراءة والدعاء، ولن يكون هناك أي نوع من
الطعام. ورغم توقعه ردود فعل سلبية، فوجئ باحترام الناس لقراره وإشادتهم به.
وأكّد الأستاذ أن تغيير هذه العادات لن يحدث بين ليلةٍ
وضحاها لكنه يحتاج وقتاً وجهداً. ويبدو أن الجيل الجديد بدأ يشكك في جدوى هذه
التقاليد أكثر فأكثر. وأشار إلى أن الحديث عن العزاء في الأردن لا ينفصل عن منظومة
"العيب" و"الناس شو بدها تحكي"، لكنها خطوة أولى لإعادة
التفكير والنقاش حول الأمر.
إذا كان الأصل في بيت العزاء هو الدعاء والمؤاساة، ربما آن
الأوان للتحرر من هيمنة "العزيمة" ليصبح فعل الرحمة والدعاء هو ما يُهدى
إلى روح المتوفى بدل الإسراف في الطعام.
ومع ذلك، يبقى السؤال قائماً في المجتمع: هل من شجاع يرفع
صوته ويقول: كفى بذخًا في بيوت العزاء؟