نشر بتاريخ :
03/05/2025
توقيت عمان - القدس
9:57:57 AM
لطالما شكل
الوعي، جوهر الوجود البشري وقدرتنا على الإدراك والشعور والتخيل، لغزًا محيرًا
للعلماء. وفي محاولة للإجابة عن السؤال القديم "أين يقع الوعي تحديدًا في
الدماغ؟"، تقدم دراسة حديثة نشرت في دورية "نيتشر" العلمية رؤى
جديدة ومثيرة للدهشة.
أجرى علماء
الأعصاب قياسات متقدمة للنشاط الكهربائي والمغناطيسي وتدفق الدم في أدمغة 256
شخصًا عبر 12 مختبرًا في الولايات المتحدة وأوروبا والصين. وخلال مشاهدة المشاركين
صورًا متنوعة، تتبعت القياسات النشاط في مناطق مختلفة من الدماغ.
والمثير
للدهشة أن النتائج أشارت إلى أن الوعي قد لا ينشأ في الجزء "الذكي" من
الدماغ، أي المناطق الأمامية المسؤولة عن التفكير المعقد التي تطورت تدريجيًا في
البشر. بل قد يكون منشأ الوعي في المناطق الحسية الموجودة في الجزء الخلفي من
الدماغ، والتي تعالج الإبصار والسمع.
وعلق عالم
الأعصاب كريستوف كوك من معهد ألين في سياتل، وأحد المعدين الرئيسيين للدراسة، على
أهمية هذا الاكتشاف قائلًا: "إذا أردنا أن نفهم الركيزة الأساسية للوعي ومن
يملكها - البالغون والأطفال قبل اكتساب اللغة والأجنة في الثلث الثاني من الحمل
والكلاب والفئران والحبار والغراب والذباب - فنحن بحاجة إلى تحديد الآليات
الأساسية في الدماغ...".
وأوضح كوك أن
الوعي هو "الشعور الذي نحس به عند رؤية رسم محمصة خبز أو وجه شخص"،
مؤكدًا أنه يختلف عن السلوك المرتبط بهذا الشعور، مثل الضغط على زر أو التعبير
اللفظي.
وقد اختبر
الباحثون نظريتين علميتين بارزتين حول الوعي. تنص نظرية "مساحة العمل العصبية
الشاملة" على أن الوعي يتجسد في مقدمة الدماغ، حيث تنتشر المعلومات المهمة
على نطاق واسع في جميع أنحائه. أما نظرية "المعلومات المتكاملة" فترى أن
الوعي ينبع من تفاعل وتعاون أجزاء مختلفة من الدماغ لدمج المعلومات في حالة الوعي.
ولكن نتائج
الدراسة لم تتفق بشكل كامل مع أي من هاتين النظريتين.
تساؤلات حول
مكان الوعي:
تساءل كوك:
"أين توجد العلامات العصبية التي تدل على الوعي في الدماغ؟ ببساطة شديدة، هل
هي في مقدمة القشرة المخية، أي الطبقة الخارجية من الدماغ، مثل القشرة الجبهية،
مثلما تنبأت نظرية مساحة العمل العصبية الشاملة؟".
تجدر الإشارة
إلى أن القشرة الجبهية الأمامية تلعب دورًا حاسمًا في العمليات المعرفية العليا
التي تميز البشر، مثل التخطيط واتخاذ القرار والتفكير والتعبير عن الشخصية وتعديل
السلوك الاجتماعي.
ثم طرح كوك
السؤال الآخر: "أم أن علامات (الوعي) موجودة في المناطق الخلفية من
القشرة؟". والقشرة الخلفية هي المنطقة التي تتم فيها معالجة المعلومات الحسية
المتعلقة بالسمع والإبصار.
وأجاب كوك:
"هنا، تصب الأدلة بشكل قاطع في مصلحة القشرة الخلفية. إما أن المعلومات
المتعلقة بالوعي لم يُعثر عليها في الأمام، وإما أنها كانت أضعف بكثير من تلك
الموجودة في الخلف. وهذا يدعم فكرة أن الفصوص الجبهية، وإن كانت ضرورية للذكاء
والحكم والاستدلال إلخ، لا تشارك بشكل حاسم في الرؤية، أي في الإدراك البصري في
حالة الوعي".
ومع ذلك،
أشارت الدراسة إلى أنها لم تتمكن من تحديد ما يكفي من الاتصالات التي تستمر للمدة
التي تستغرقها تجربة الوعي في الجزء الخلفي من الدماغ لدعم نظرية المعلومات
المتكاملة بشكل كامل.
تطبيقات عملية
لفهم الوعي:
يحمل التوصل
إلى فهم أعمق لديناميات الوعي في الدماغ تطبيقات عملية هامة. وأوضح كوك أن ذلك
سيكون بالغ الأهمية في كيفية تعامل الأطباء مع المرضى الذين يعانون من حالات
الغيبوبة أو متلازمة اليقظة بلا استجابة، وهي حالات يكون فيها المرضى مستيقظين
ولكن لا تظهر عليهم أي علامات للوعي نتيجة لإصابات دماغية أو سكتات دماغية أو
قلبية أو جرعات زائدة من المخدرات أو أسباب أخرى.
وأشار كوك إلى
أنه في الوقت الحالي، يموت ما بين 70 إلى 90 بالمئة من هؤلاء المرضى بسبب اتخاذ
قرار بسحب العلاج الداعم للحياة. لكنه استند إلى بحث منشور العام الماضي في دورية
"نيو إنغلاند" الطبية ليؤكد أنه "نعلم الآن أن حوالي ربع المرضى في
حالة الغيبوبة أو ... متلازمة اليقظة بلا استجابة يكونون واعين، وعيًا خفيًا، ومع
ذلك لا يستطيعون الإشارة إلى ذلك".
وختم كوك
قائلًا: "ستمكننا معرفة آثار الوعي في الدماغ من أن نرصد بشكل أفضل هذا الشكل
غير الظاهر من "الوجود" من دون القدرة على الإشارة".
الحقيقة
الدولية - وكالات